الاختفاء الجماعي هو أمر واقع وحقيقي، وفي الوقت نفسه غريب للغاية، إذ لا يجد البعض تفسيرًا للكيفية التي يختفي بها عدد كبير من الناس فجأة، من دون أن يتركوا أثرًا، بل حتى من دون سبب في بعض الأحيان.
وعلى مرّ التاريخ، تلاشت حضارات ومدن وإمبراطوريات بأكملها. ومن المثير للاهتمام أن بعض الحضارات كانت تضمّ مئات الآلاف من الأشخاص، قبل أن تختفي على ما يبدو من دون أن تترك أثرًا.
وغالبًا ما يحاول علماء الآثار والباحثون تتبع خطوات سكانها، وإعادة بناء ما حدث، في محاولة للعثور على سبب الاختفاء، والأهم منع تكرّر الأمر في حضاراتنا اليوم.
ورصد موقع "ليست فيرس" (listverse.com) عشر حضارات اختفت في ظروف غامضة.
حضارة الأنباط
الساميون هم أشخاص ينتمون إلى مجموعة لغوية قديمة، تضمّ العرب والأكاديين والعبرانيين وغيرهم، كوّنوا حضارة الأنباط، قبل عام 312 قبل الميلاد على الأقل.
امتدت هذه المملكة القديمة إلى أراضي سوريا، والجزيرة العربية، وفلسطين، وتوسّعت بشكل كبير في مرحلة ما. وتطوّرت الكتابة النبطية في نهاية المطاف على مر القرون لتُصبح عربية حديثة، ولم يتمكّن العلماء حتى وقت قريب من تتبّع تطوّرها.
أسّس الأنباط طرقًا تجارية، وتجارة شاسعة، وأصبحوا حضارة متقدمة تقنيًا في ذلك الوقت، مع أنظمة مياه ساعدتهم على البقاء في المناخ الجاف لشبه الجزيرة العربية.
تركوا خلفهم هياكل ضخمة تتماشى مع الأجرام السماوية، ما يدلّ على العبقرية الهندسية بين هؤلاء الناس.
مع اقتراب حضارتهم من الزوال، كانوا حلفاء أقوياء مع الإمبراطورية الرومانية، على الرغم من أن الإمبراطور تراجان ضمّ المملكة من عام 105 إلى 106 بعد الميلاد. وبعد تلك الحقبة، لم نسمع كثيرًا عن الأنماط.
شعب كلوفيس
كانت صحاري نيو مكسيكو، بالإضافة إلى أرض شاسعة داخل الأميركتين، أرضًا لشعب كلوفيس، وهي واحدة من أقدم الحضارات الأميركية، والذي سمّي على اسم مدينة كلوفيس الحديثة في نيو مكسيكو.
وجرى اكتشاف العديد من الأشياء والأسلحة الحادة، والسجّاد، وأدوات العظام، والمطارق، والتي كانت متطورة للغاية في عصرهم الذي امتد من 9050 إلى 8800 قبل الميلاد.
وتمّ العثور على مثل هذه الأدوات والتصاميم عبر جزء كبير من أميركا الشمالية، ما يعني أنّ هذه المجموعة كانت منتشرة بشكل خاص. ومع ذلك، فقد اختفوا تمامًا في النهاية.
ويفترض العلماء أنّ أعدادهم الهائلة أجبرتهم على الانقسام إلى مجموعات أصغر تطورت في النهاية إلى شعوب متميزة في أماكن مختلفة، مما جعلهم روّادًا للعديد من ثقافات الأميركيين الأصليين.
وتدعم هذه الفكرة حقيقة أن الروابط الجينية مع شعب كلوفيس، قد تمّ العثور عليها حتى في بقايا شعب أميركا الجنوبية القدامى. وتكهّن البعض الآخر بأنّهم اعتمدوا بشكل كبير على صيد الماموث الذي انقرض، أو حتى أن الجزء الجنوبي الغربي من الولايات المتحدة قد أُصيب بمذنب قضى عليهم.
حضارة كاتالهويوك
حضارة كاتالهويوك حضارة قديمة جدًا من العصر الحجري الحديث. عاشوا في تركيا الحديثة من 7500 إلى 5700 قبل الميلاد في مساكن من الطوب لا تختلف عن غيرها من الحضارات المبكرة للغاية. وكانت هذه المجموعة مولعة بدينها، فرسموا جداريات ضخمة، وأقاموا أضرحة كبيرة تُذهل هواة الفن اليوم. وكانوا يعيشون على نطاق واسع على الحبوب والمحاصيل الأخرى.
ويُواصل الباحثون اكتشاف حقائق جديدة حول هذه المجموعة يوميًا، من بينها بقايا للمباني الرائعة والمنازل الفريدة التي تبدو مهجورة. وجزء كبير من سر اختفائهم هو ببساطة ضياعهم مع مرور الوقت.
شعب رابا نوي
شعب رابا نوي هم السكان الأصليون لجزيرة إيستر، التي تنتمي الآن إلى تشيلي، على الرغم من أنها تبعد 3500 كيلومتر (2200 ميل) عن البلاد.
ونظرًا لبعدها، فإن كيفية وصول شعوب رابا نوي الأصلية إلى هناك، يثير الكثير من الغموض مثل سبب اختفائها.
ويُلقي الخبراء باللوم في اختفائهم على الجوع بسبب الاستهلاك المفرط للموارد، وتدمير الفئران للنظام البيئي لجزيرة إيستر. كما يُعتقد أنّ سكّان رابا نوي انتقلوا إلى جزيرة نائية أخرى على بعد آلاف الأميال، لبدء مستوطنة جديدة. ويعيش أحفاد رابا نوي من جزيرة إيستر في تشيلي اليوم.
الحضارة المينوسية
الحضارة المينوسية هي حضارة قديمة من العصر البرونزي، كانت موجودة بين عامي 3000 و 1000 قبل الميلاد، أي قبل فترة طويلة من العصر الذهبي لأثينا والإسكندر الأكبر.
كانت الحضارة المينوسية ثقافة يونانية وثنية، يقدّم أفرادها القرابين الحيوانية، ويحرقونها، ولديهم العديد من الطوائف الدقيقة، ويقيمون المهرجانات البرية ويمارسون الغناء والرقص.
يذكرهم المصريون القدماء في الكتابة الهيروغليفية، ما يعني أن المينويين انتقلوا بالتأكيد إلى العالم القديم، وكانت لديهم تقنيات عالية الجودة وفنون مثيرة للإعجاب حتى هذا اليوم، لكنّهم اختفوا بعد ذلك.
وتقترح النظريات أنّهم هلكوا بسبب ثوران بركاني في جزر سانتوريني بالقرب من جزيرة كريت. بينما كتب المؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت أنّ الأوبئة والأمراض أدت إلى هلاكهم.
حضارة كيوكوتيني-تريبيليان
بين عامي 5400 و2700 قبل الميلاد تقريبًا، عاش مجتمع يُعرف باسم كوكوتيني-تريبيلان في مناطق ما يُعرف اليوم بمولدوفا، ورومانيا، وأوكرانيا في جبال الكاربات.
وكانت حضارة مبكرة تعتمد بشكل كبير على الزراعة وقربها من إمدادات المياه، وبناء المنازل والاستقرار كبشر في تلك الفترة. كانوا متدينين للغاية، وبارعين في العديد من الفنون، بما في ذلك النحت والفخار وغير ذلك.
وقبل اختفائها الغريب في ظروف غير عادية، امتدت هذه الثقافة الضخمة على مساحة مثيرة للإعجاب تبلغ 350 ألف كيلومتر مربع، ومارست أسلوب حياة غريبًا إلى حد ما، حتى في ذلك الوقت. فكانوا يسكنون في مستوطنات مكتظّة بالسكان، ثمّ يحرقونها تمامًا أو يهجرونها ويعيدون بناءها كل 60 إلى 80 عامًا. لقد افترض البعض أن هذه هي الطريقة التي يكرّمون بها موتاهم، في نوع من جنازة جماعية.
شعوب أناسازي (شعوب بويبلو القديمة)
تركت شعوب أناسازي في جنوب غرب أميركا الشمالية وراءها العديد من الهياكل والتحف، قبل أن تختفي. وربما كان المناخ القاسي في قلب الجنوب الغربي، أو تغيّر المناخ هو الذي جعل الظروف غير صالحة للسكن، أي عندما تعلّق الأمر بالحصول على المياه.
تُركت الهياكل السكنية الضخمة المبنية على منحدرات الجروف مهجورة تمامًا، وكانت مثالية لصد المتسللين، حيث كانت غالبًا متعددة الطوابق مع نوافذ للمدخل عبر السلالم. فعندما تندلع الحرب، يمكن لشعوب أناسازي التسلق إلى هياكلهم، ورفع السلالم، والارتفاع إلى عدة طوابق فوق القبائل الغازية، ويمكنهم إطلاق النار على أعدائهم.
ويدّعي العديد من القبائل الأميركية الأصلية وبعض العلماء أنّ شعوب أناسازي لم يختفوا أبدًا. بل انقسموا إلى مجتمعات أصغر بعد ارتفاع أعدادهم بشكل كبير. ويعتقدون أن بعض القبائل الموجودة في المنطقة الآن، هي من نسل مباشر لشعب الأناسازي.
حضارة نبتة بلايا
تعود حضارة نبتة بلايا في الجزء الجنوبي من مصر الحديثة، إلى العصر الحجري الحديث وكانت موجودة في المنطقة منذ ما يقرب من 11000 إلى 6000 عام. وكان سكانها من البدو الرحل إلى حد كبير، كما كان شائعًا في تلك المنطقة في ذلك الوقت.
وكان مناخ حوض نبتة بلايا قاسيًا، حيث وفّرت التحوّلات الموسمية وفرة من المياه في بعض النقاط خلال العام، ثم جفافًا كاملًا في أوقات أخرى. في النهاية، استقرّ الناس وسكنوا المنطقة كحضارة.
وأدت التغييرات في المناخ إلى جعل المنطقة جافة تمامًا في تلك المرحلة، فهلك السكان، تاركين وراءهم العديد من الآثار على غرار الدائرة الحجرية التي تتماشى تقريبًا مع النجوم بعدة طرق مختلفة، وأصبحت ملاذًا للتضحية للآلهة، إذ تمّ العثور على بقايا الحيوانات في كهوف شاسعة تحت الأرض.
إمبراطورية الخمير
على مدار التاريخ الطويل، تُعدّ إمبراطورية الخمير واحدة من أحدث حالات اختفاء الحضارات.
ونشأت الإمبراطورية من عام 802 إلى 1431 في جنوب شرق آسيا، وامتدت إلى بلدان العصر الحديث مثل تايلاند، وكمبوديا، ولاوس، وفيتنام. وكانت ثقافة مختلطة من البوذيين والهندوس نشأت عبر قرون من الحروب. وشيّدت إمبراطورية الخمير بعضًا من أكثر المعابد والآثار المذهلة في جنوب شرق آسيا اليوم، وكثير منها في حالة شبه مثالية.
لكن إمبراطورية الخمير، مثل حضارات أخرى، تراجعت واختفت أيضًا. ولاحظ البعض أنّ هجرة الشعب التايلاندي، ربما تجاوزت ببطء شعب الخمير، بينما ألقى آخرون باللوم على الحرب المستمرة التي عاشها الخمير يوميًا. كما أشار البعض الآخر إلى التغيرات المحتملة في الظروف الجوية التي غيّرت وصولهم إلى مياه الأمطار، ما تسبّب في هجرة جماعية.
حضارة الأولمك
كانت حضارة الأولمك أول حضارة كبيرة لأميركا الوسطى، وكانت ثقافتهم غنية بقدر ما كانت غريبة وغير عادية. لقد تركوا العديد من الهياكل والتماثيل الدائمة الموجودة اليوم، واستمر ظهورهم من 1200 إلى 400 قبل الميلاد، مع مجتمع قائم على الممارسات الدينية المقدسة التي بنوا من أجلها معابد تُشبه الأهرامات. كما نحتوا رؤوسًا حجرية ضخمة، بعضها يصل ارتفاعه إلى 3 أمتار، ويزن 8 أطنان.
و"أولمك" هو مصطلح أطلقه الأزتيك عليهم بعد قرون من اختفائهم، والذي يُترجم تقريبًا إلى "شعب المطاط". والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أنه لم يبقَ أثر واحد لأي شخص عاش هناك، ولا حتى العظام، باستثناء القطع الأثرية.
اختفى شعوب أولمك في وقت ما حوالي 400 قبل الميلاد. واقترح البعض أن مناخ أميركا الوسطى الرطب بجنون أدى إلى تآكل عظامهم.
